في داء الاستسقاء وعلاجه

 
 

في داء الاستسقاء وعلاجه


Share Instagram print article
 

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى داء الاستسقاء وعلاجه

فى الصحيحين : من حديث أنس بن مالك، قال:  قَدِمَ رَهْطٌ من عُرَيْنَةَ وَعُكَل على النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فاجْتَوَوا المدينة، فشكوا ذلك إلى النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال لو خرجُتم إلى إِبِل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فلما صحُّوا، عمدوا إلى الرُّعَاةِ فقتلُوهم ، واستاقُوا الإبل ، وحاربُوا الله ورسوله ، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى آثارهم، فأُخِذُوا، فَقَطَعَ أيديَهُم، وأرجُلَهُم، وسَمَلَ أعْيُنَهُم، وألقاهم فى الشمس حتى ماتوا .

الدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء ، ما رواه مسلم فى ((صحيحه)) فى هذا الحديث أنهم قالوا: ((إنَّا اجتوينا المدينة، فعظمت بطونُنا، وارتهشت أعضاؤنا)).... وذكر تمام الحديث.

والجَوَى: داء من أدواء الجوف و الاستسقاء : مرض مادى سببه مادة غريبة باردة تتخلَّل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحى التى فيها تدبير الغِذاء والأخلاط، وأقسامُه ثلاثة: لحمىٌّ  وهو أصعبها وزقىٌّ، وطبلىٌّ.

ولما كانت الأدوية المحتاجُ إليها فى علاجه هى الأدوية الجالبة التى فيها إطلاقٌ معتدل، وإدرارٌ بحسب الحاجة وهذه الأُمور موجودةٌ فى أبوال الإبل وألبانها، أمرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بشربها، فإنَّ فى لبن اللِّقَاح جلاءً وتلييناً، وإدراراً وتلطيفاً، وتفتيحاً للسدَد، إذ كان أكثرُ رعيِها الشيح، والقيصوم، والبابونج،  والأقحوان، والإِذْخِر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء.

 وهذا المرضُ لا يكون إلا مع آفة فى الكبد خاصة، أو مع مشاركة، وأكثرها عن السدَد فيها، ولبن اللِّقاحِ العربية نافعٌ من السدَد، لما فيه من التفتيح، والمنافع المذكورة.

 قال الرازىُّ : لبن اللِّقاح يشفى أوجاعَ الكبد، وفساد المِزاج. وقال الإسرائيلى: لبن اللِّقاح أرقُّ الألبان، وأكثرُها مائيَّة وحِدَّة،    وأقلُّها غِذاء. فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول، وإطلاقِ البطن، وتفتيح السدَد، ويدل على ذلك ملوحتُه اليسيرة التى فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع، ولذلك صار أخصَّ الألبان بتطرِية الكبد، وتفتيح سُددها، وتحليلِ صلابة الطحال إذا كان حديثاً، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استُعمل لحرارته التى يخرج بها من الضَّرْع مع بول الفصيل، وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد فى ملوحته، وتقطيعه الفضولَ، وإطلاقهِ البطن  فإن تعذَّر انحدارُه وإطلاقُه البطن، وجب أن يُطلق بدواء مسهل.

         قال صاحب القانون: ولا يُلتفت إلى ما يقال: من أن طبيعة اللَّبن مضادة لِعلاج الاستسقاء . قال: واعلم أنَّ لبن النُّوق دواءٌ نافع لما فيه من الجِلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأنَّ هذا اللَّبن شديد المنفعة، فلو أنَّ إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شُفِىَ به، وقد جُرِّبَ ذلك فى قوم دُفِعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورةُ إلى ذلك، فعُوفوا. وأنفعُ الأبوال: بَوْل الجمل الأعرابى، وهو النجيب.. انتهى.

         وفى القصة: دليلٌ على التداوى والتطبُّب، وعلى طهارة بول مأكول اللَّحم، فإن التداوى بالمحرَّمات غير جائز، ولم يُؤمروا مع قرب عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم، وما أصابته ثيابُهم من أبوالها للصلاة، وتأخيرُ البيان لا يجوزُ عن وقت الحاجة.

         وعلى مقاتلة الجانى بمثل ما فعل، فإن هؤلاء قتلوا الراعىَ، وسملُوا عينيه، ثبت ذلك فى ((صحيح مسلم)).

         وعلى قتل الجماعة، وأخذِ أطرافهم بالواحد.

         وعلى أنه إذا اجتمع فى حق الجانى حدٌ وقِصاصٌ استوفيا معاً، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قطع أيديَهم وأرجُلَهم حداً لله على حِرابهم، وقَتَلَهُم لقتلهم الراعى.

         وعلى أن المحارب إذا أخذ المال، وَقَتَل، قُطِعت يده ورجله فى مقام واحد وقُتِل.

         وعلى أنَّ الجنايات إذا تعددت، تغلَّظت عقوباتُها، فإنَّ هؤلاء ارتدُّوا بعد إسلامهم، وقتلوا النفس، ومثَّلُوا بالمقتول، وأخذوا المال، وجاهروا بالمحاربة.

         وعلى أنَّ حكم ردء المحاربين حكم مباشرهم، فإنه من المعلوم أنَّ كُلَّ واحد منهم لم يُباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

         وعلى أن قتل الغِيلةِ يُوجب قتل القاتل حداً، فلا يُسقطه العفو، ولا تُعتبر فيه المكافأة، وهذا مذهبُ أهل المدينة، وأحد الوجهين فى مذهب أحمد، اختاره شيخنا، وأفتى به.

 
 

نتمنى مشاركة اصدقائك الموضوع في حال اعجبك
Share Instagram print article

مواضيع أخرى